يعتبر القضاء العرفي في البادية قانون غير مكتوب وملزم للجميع، وذلك في ظل العادات والتقاليد التي تميز هذا المجتمع عن غيره, ففي صحراء مصر الغربية تقطن قبائل ترجع للفصل في النزاعات فيما بين أبناء القبائل المختلفة لقانون غير مكتوب ولكنه ملزم، وهو قانون خاص لفض المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والقبائل بالصحراء.
وتضم الصحراء الغربية خمس قبائل كبرى هي (القطعان، الجميعات، وعلي الأبيض، على الأحمر، والسننة) هذا بالإضافة إلى قبائل واحة سيوة الإحدى عشر دربة من أولاد على؛ وأطلق أهل البادية على هذا القانون العرفي اسم (الدربة) أي النهج أو الطريق الذي تسير عليه الحياة، ويحكم به بين أبناء البادية.
وفي عام 1064 من الهجرة اجتمع زعماء القبائل لإعداد دربة أولاد علي، والذي يعد بمثابة قانون ملزم لجميع القبائل باعتباره صمام أمان بين أبنائها يقضى بينهم في كل مشكلاتهم وأحوالهم المدنية والشخصية، وجميع قضاياهم من الجنح إلى الجنايات. وفي عام 1961ميلادية، طبق نظام الإدارة المحلية في محافظة مطروح كما تم إنشاء المحاكم المدنية ونظام القضاء العادي، وبالرغم من وجود المحاكم المدنية والعسكرية فإن حفظ الأمن والنظام لم يتأتي في البقاع التي تسكنها قبائل أولاد علي إلا بعدما ظلت الدربة سارية المفعول في كل الظروف وعلى مختلف الأحوال.
والقانون العرفي الذي يحكم المعاملات بين الأفراد له أكثر من 65 بندًا، حيث يفصل بين الأفراد والقبائل في كل أمور الحياة كالقتل الخطأ وقتل القريب، وقتل الحيوانات وشهادة الزور والإرث.
ومن القواعد والبنود الرئيسية في القانون العرفي الذي طالب الكثيرون في الصحراء بتفعيله هذه الأيام بعد حالة الانفلات الأمني في أغلب محافظات مصر (الشرع) حيث يأتي الحسم بين الأطراف المتنازعة بالرجوع إلى الشرع الإسلامي و(الميعاد) أي تحديد المكان والزمان الذي سيتم فيه الفصل في القضية ولا يجوز التخلف عن الميعاد ولا مخالفة الحكم إلا بالاستئناف في مجلس آخر.
والمرضي رجل من أولاد علي يتصف بالأخلاق الحميدة ذو فكر صائب على دراية وخبرة بدربة أولاد على ليتمكن من النظر في النزاعات المختلفة، وغالبا ما يكون الحكم فيها بمبالغ مادية أو بالذبائح التي لا مناص منها حتى يرد للشخص المعتدى عليه اعتباره بين أفراد قبيلته.
ومن أهم بنود فض المنازعات في دربة أولاد علي (النزالة) ومعناها أن تنزل القبيلة التي يقتل أحد أفرادها على قبيلة ثالثة، تسمى المنزول عليها ومدة النزالة عام كامل والغرض منها الفصل بين قبيلة القاتل، وقبيلة المقتول.
ومن الأشياء الطريفة أنه لابد أن تكون النزالة على قبيلة تكون المسافة بينها وبين قبيلة المقتول لا تقل عن 30 كيلو مترا، وأخذ الإذن من قبيلة المقتول حتى تستضيفه قبيلة المنزول عليها.
وغالبا ما يحكم القاضي العرفي بين القبيلتين بدفع الدية بحيث يتم جمعها من أفراد قبيلة القاتل وهي محددة على الأفراد الراشدين كنوع من التكامل الأسري.
وشهدت مدينة سيدي برانى غرب مطروح أواخر الشهر الماضي حالة من أشهر حالات القضاء العرفي بعد أن نجح رجال الدعوة السلفية في إنهاء خصومة بين قبيلتي المحافيظ والقطعان بحضور الداعية السلفي الشيخ ياسر برهامي، وقيادات من مديرية أمن مطروح والمنطقة الغربية العسكرية وهو الخلاف الذي استمر لمدة 39 عاما.